الأحد، 1 فبراير 2009

فضفضات غراب

.

تمر الأيام والسنين علينا نحن المنسييين من كل الحنان والحب هنا في الغربة التي أضحت وطنا فعلى الأقل لا ينشب هذا الوطن البديل أنيابه بما تبقى من لحمنا

الفقر في الوطن غربة كما يقولون والغنا في الغربة وطن ..ولكن ما أنت بفاعل لو اقتصرت حياتك في الغربة على الفقر أو على الحياة بمنأى عن المجتمع والعلاقات التي تتطلب أكثر بكثير مما تسمح به ميزانيتك المتواضعة

قد لا يفهني أغلب الذين يداومون على المدونات كإدمان وعطش للقرائة فهم بأغلبهم يعيشون في وطنهم وبين أهلهم ويتمتعون بحياة إن لم تكن جيدة فهي مقبولة جدا أنا لا ألومهم ولا أحسدهم بل وأتمنى أن تسستمر حياتهم بسعادة وحب و أمل بالمستقبل والذي عسى أن يكون غير ما أرى ..

أنا فقط أحتاج لأن أرثي لحالي قليلا لذا تحملو معي وسايروني في هذه الفضفضة


أيام تمر بروتين بليد لا تكسره إلا تلك الأمور الصغيرة كل شهر أو شهرين .. واليوم كما الأمس وغدا كما اليوم فأنا لا أخرج عادتا خوفا من إدماني على المقاهي والطاعم .. فأربع أو خمس زيارات لهذه الأماكن المشؤومة في الشهر كافية لإصابة ميزانيتي بالإعتلال والمرض لأعود لسياسة شد الحزام المعهودة

قررت اليوم بشجاعة أن أخرج على غير عادتي بعدما طردتني جدران الغرفة التي يشاركني بها زميلان في العمل وقررت أن أدخل لمقهى وأتسلى بالدخول على الإنترنت فهي أنيسي الوحيد منذ زمن ولكن سحقا لهذه الشبكة العقيمة التي حالت بيني وبين أفيوني ... ترا ما الذي يمكن أن يعوض ؟

هكذا بدأت في الكتابة وأنا أستمع لبعض الصراخ من موسيقاي المفضلة محتسيا قهوتي و مغذيا لتلك الغمامة السوداء التي فوق رأسي بدخان النرجيلة

لقد مر علي في هذا الوطن البديل خمس سنوات تقريبا ولم أستطع حتى الآن أن أبدأ حياتي المستقلة إلا بأقل المعايير الإنسانية فمجرد النظر إلى المستقبل يرسم غمامة سوداء فوق رأسي .. أعرف أن حالي أفضل بكثير من غيري ولكن لكل منا همومه ولسنا جميعا نشترك بإدراك مستقبلنا

الأهل في الوطن يذكرونني وهم بخير ولكن مع مرور الزمن تنسل منا اللحظات السعيدة والمناسبات العائلية التي أتمنى أن أكون حاضرا لها.. بعد بضعة شهور قليلة سيعقد قران قريبة مقربة لي .. لم أكن حاضرا يوم خطبتها ولست متأكدا إن كنت سأستطيع حضور زفتها

الأب والأم الذين أقدسهما يكبران بعيدا عني .. لست قلقا عليهما ولكن .. قد تفهمون ما أحس

الأطفال في عائلتي الكبيرة أصبحو في مطلع شبابهم وهم يرسمون شخصياتهم بعيدا عني حتى بت لا أعرفهم فالعائلة والأقارب وحتى أصدقاء الشارع يزدادون بعدا كل يوم وتزداد الغمامة السوداء فوق رأسي إتساعا
لم يعد هاجس البيت وتأسيس الأسرة يؤرقني فقد عقدت العزم بحسب المعطيات التي بين يدي أن أبقى غرابا وحيدا نكدا إلى الأبد فالمستقبل الذي أراه في الأفق أسود تماما ليس لي وحدي بل في العالم بأسره فمع تضاعف الستة مليارات حمار على صطح هذا الكوكب التعس المهدد و المريض تترك فكرة تأسيس عائلة وإنجاب أطفال ملقاة في القمامة فبالنهاية لا أريد أن أرمي بأرواح بريئة في هكذا عالم ومستقبل ليشتموني على هذه الدعوة الإلزامية لهذه الحفلة البائسة ليلا ونهارا

من سياسة إلى إتجار بالمصائر وحروب ورؤوس أموال تنمو مع نمو الفقر والجوع والتعصب إلى آفات تهرب من الحلول إلى تمني فناء العالم بيوم القيامة الرائع الموعود إلى تلوث بات يغتصب أكثر المساحات عذرية في هذا الركن المنسي من الكون وكوارث تلوح في الأفق مع الذوبان الذي أصبح مفروغا منه في القطبين .. وطبعا لاأحد يعرف أو يهتم ..أو ببصاطة يرددون في عقولهم : لنترك حل المشاكل لأطفالنا في المستقبل .. فنحن لا قدرة لنا بها .


المستقبل الذي أراه يحمل معه حربا نووية ومجاعات وكوارث وارتفاع مدمر للبحر فوق المدن وهجرة وتهجير وتعصب ومتدينين وجوع و ثورات وانقسامات ودول ودويلات وربما حلول ولكنها ستأتي متأخرة جدا لتنقذ ذالك الإنسان المرمي في الغد والذي قد يكون حفيدك أو حفيدتكي أو ربما في الجيل القادم مع أطفالكم ..

فأين تريد أن تكون صديقي .. وأين تريد أن تضع أطفالك وذريتك

سلام
ملاحظة : بعد عودتي الى البيت قمت بالإحتفال وحيدا على طريقتي بزجاجة شامبين مزيفة وقالب حلوى ..
وبصحة الجميع