الجمعة، 25 مارس 2011

إن نرتقي .. لا نرتقي بالضرورة

مجرد معاني كلمات ...!


أحببت مشاركتكم بفكرة ما خطرت على بالي في العمل ..
وكما اعتدت دائما فأنا آخذ فكرة صغيرة وأمطها وأنفخها لتصبح مملة وكبيرة
وهي اليوم حول الفرق في المعنى بين الارتقاء والارتقاء .. !
نعم فمعنى كلمة ارتقى من وجهة نظر دينية ( كيفية ) ومن وجهة نظر لغوية تكون ( نوعية )
دعوني أشرح لكم ….
الكلمة بحد ذاتها لها معنيين .. كيفي و نوعي
فهي الصعود والارتفاع والتسلق أو الامتلاء والكمال والتقدم كما ورد في المعجم الوسيط

ارتقى: ارتفع و صعد يقال ارتقى فلان مرتقى صعبا و شيئا و فيه و إليه و عليه رقيه يقال ارتقى العرش تولى الملك و ارتقى في السلم و ارتقى إلى المجد و ارتقى بطنه امتلأ شبعا
أو كما في موقع معاني الكلمات ( وهو موقع أفضل وأبسط وأسهل بكثير من موقع لسان العرب )

ر ق ي : (ف: خما. لازم متعد. م بحرف). اِرْتَقَى، يَرْتَقِي، اِرْتَقِ، مصدر اِرْتِقاءٌ. 1. "اِرْتَقَى قِمَّةَ الجَبَلِ" : صَعِدَ إِلَيْهَا. 2. "يَرْتَقِي السُّلَّمَ عَلَى مَهْلٍ" : يَصْعَدُ دَرَجَةً دَرَجَةً. "اِرْتَقَى في السُّلَّمِ.. إِلَيْهِ". 3. "اِرْتَقَى الْمَلِكُ عَرْشَ أَسْلاَفِهِ" : تَوَلَّى. 4. "يَرْتَقِي مِنْ دَرَجَةٍ إلى دَرَجَةٍ فِي السُّلَّمِ الإِدَارِيِّ" : يَتَرَقَّى. "الإِنْسَانُ لاَ يَرْتَقِي إِلاَّ بِمُمَارَسَةِ حُقُوقِهِ الطَّبِيعِيَّةِ". 5."اِرْتَقَى بَطْنُهُ" : اِمْتَلأَ شَبَعاً.

المصدر..

فبخلاف المتعارف عليه هناك فرق كبير وتمييز واضح بين نظرة الدين للكلمة ومعناها اللغوي الثاني ففي حين تأخذ اللغة عادتا بالمعنى النوعي للكلمة المتمثل بالاقتراب للكمال والسعي للخير والتقدم والتطور كما في استخدامها في الأبيات التالية من ثلاثيات أيمن أبو شعر حيث يأخذ الرقي صورته الأخلاقية .

مَنْ يَكُنْ شَهْماً فَقيراً .................. وَاغْتَنى شَهْماً سَيَبْقى
مَنْ يَكُنْ روحاً ضريراً .................. وَارْتَقى فَالدُّودُ أرْقى
ويَعُبُّ الدهرُ كأساً .................. خالِداً مَنْ كانَ أنْقى



فإن الدين يتخذ المعنى الفيزيائي المتمثل في الصعود والارتفاع الكيفي كصعود الجبل أو ارتقاء الروح للسماء
ولكن لحظة .. سيقول قائل في دماغي :
قد يبدو ذالك نوعا ً من الخلط فلطالما قال الدين أنه يرتقي بالروح وبالأخلاق وبالإنسان معا .
كيف أقول بأن الدين يقصد بالارتقاء الصعود وتغيير المكان فقط .. وما الدليل على هذا الكلام ..؟!

حسنا .. ذالك الخلط مقصود وهو ليس من قبلي بل من قبل الدين الذي اعتاد ادعاء أشياء كثيرة
و خلط الأوراق وتغيير المسميات لكي يحصل على أكبر المكاسب مهما كانت الوسائل ..

فالمفهوم الديني للارتقاء هو الاقتراب من الله ككناية على التعمق بالدين والطقوس والتضحيات والإيمان والمعرفة بالنصوص التي هي كلام الله .. أي لا يعني التقدم والتحسن النوعي بالضرورة
وعلى الرغم من أن المؤمنين يعتبرون الإقتراب من الله و دخول نور الإيمان إلى قلب الإنسان من المفترض أنه يؤدي إلى الارتقاء النوعي الأخلاقي والروحي والمعرفي والمادي
إلا أن التجربة وأرض الواقع تقول أن كل من هذين الإرتقائين يكون مستقل بذاته تماما ً بل أن بينهما علاقة عكسية

ففي حين أن الدين يرتقي بالمؤمن إلى العلياء من الجنان الموجودة في السماوات السبع وفي حين يبتعد أيضا عن نقيضها المتمثل بجهنم وما تمثله من خطايا وذنوب وبعدا ً عن الله . والتي " لمحاسن الصدف " موجودة تحت الأرض السابعة في أبعد موضع عن موضع وجود الله المفترض ..
فهو بهذا الارتقاء نحو الروحية والله يؤثر على عناصره الدنيوية المادية والاجتماعية
فتراه يكرس حياته وثقافته للماضي والتراجع إلى أثر الخلف الصالح والحياة البائدة لمن باد من البشر
والعمل لتفعيل قوانين وشرائع عمرها أكثر من ألف سنة .. بالتأكيد هذا ليس ارتقاء فالارتقاء يستوجب التقدم لا التقهقر للماضي ولكن المؤمنون يسمون هذا التعلق والعمل في المجال الإيماني ارتقاءا ً فيخلطون الأوراق بتغيير المسميات


فالدين بالنهاية يعتمد على نصوص قديمة ويقيد بها .. أي أن موضوعه الماضي وليس المستقبل
وهو ثابت قديم لا يتجدد كما أنه بنصوصه يسوق لعادات وتقاليد قديمة جدا ما أن يلتزم بها المؤمن وتؤثر فيه حتى تتغير حياته و يعود شكلا ومضمونا إلى العصر البرونزي ..
فالسيارة تتحول إلى جمل و حصان .. والبنطال والمعطف يتحول إلى ثوب نجدي قديم والمظهر الأنيق يصبح لحية شعثاء وشارب محفوف والنظام البنكي الاقتصادي الحديث يتحول إلى صندوق خشب يضعون فيه الذهب والحلي والصدف كتب عليه بيت مال المسلمين وعطور مركبة بكل فن وخبرة ودقة تتحول إلى زيوت و عنبر و بخور وفرشاة الأسنان التي عمل بتطويرها مئات المختصين تستبدل بخشبة رطبة و حتى الطب والتشخيص يستبدل بالحجامة والرقية و المُضاضات الحيوية تستبدل بحبة البركة وبول الإبل وأخيرا وليس آخرا العلاج بالجراحة أو التمرين الفيزيائي يتحول إلى كتابة حجابات وشوي جلد وضرب بالسياط لإخراج الجن من الممسوس المغلوب على أمره ...


أعرف أعرف .. سيقفز من يقفز ليقول بأن هذه الأفعال لا تمثل المؤمنين وليست من الدين وأنه منها براء
ولكن هذا يبقى مجرد كلام تنفيه النصوص التي هم يؤمنون بها وتثبت عكسه التجربة
إذ أنها تثبت مرارا وتكرارا أن ما أن يبدأ الفرد "بالارتقاء" دينيا ً فهو أيضا يبدأ بالانحطاط إنسانيا وحضاريا بل وحتى أخلاقيا
وكما تعرفون ( إن الأمور لا تعمل لأنها صحيحة بل هي صحيحة لأنها تعمل ) أي أن ثبات صحة التجربة يثبت صحة الفرض
فمجرد كون الإنسان متدينا في هذه الأيام يرفع بالضرورة احتمال الاشتباه بأخلاقه ونواياه حيث أن تدينه ليس إلا لتغطية ما أو لتبرير ما أو لطلب مغفرة لشيئ فظيع إقترفه أو سيقترفه لاحقا ً
ليس الموضوع مثبتا لا لمرة ولا لاثنتين .. بل كل مرة نقارن بين المتدين وغير المتدين نجد هذا الفرق بالمستوى الأخلاقي والإنساني والحضاري وأوضح الأدلة في هذا الشأن هي المجتمعات التي تبدأ مدنية ومن ثم يدخلها الدين ومن جهة أخرى دراسة حالة المجتمع المتدين الذي يتبنى العلمنة والابتعاد عن الدين .. ودراسة تغير معدلات الجريمة والأمان أثناء هذا التغير في كلا المجتمعين .. وإذا كان هذا عملا طويلا وصعبا فهناك مثال سهل :
قم بتسمية خمس دول تطبق الشرائع الدينية وتعتبر نفسها دولة دينية
ثم أكتب أسماء أكثر خمس دول في نسبة عدد الملحدين ..
ومن ثم قارن معدلات الجريمة والتخلف والفقر وتدني الأخلاق في كلا الطرفين … صدقني ستتفاجأ ..!



ألا يكفي هذا لربط الارتقاء الديني بالانحطاط الحضاري و الإنساني ... ؟!
حسنا .. لا بأس فالأمر يتعدى الظاهر من الأمور الاجتماعية والثقافية والعلمية إلى ما هو أكثر أساسية وجذرية
حيث نجد في المجتمعات المتدينة ميل إلى تبني النظام القبلي بدل المدني وفي الحالات المستعصية يتقهقر النظام الاجتماعي إلى القطيعية حيث يتربع الذكر المسيطر على قمة القطيع المكون من عدة إناث وظيفتها الخلفة والاعتناء بالأشبال إلى حين تكبر وتترك القطيع باحثة عن صيدها من إناثها الخاصة ..
وفي حين تتلخص مهمة النساء بالتكاثر فإن الذكور لها مهمتين رئيسيتين وهي الصيد وتأمين الغذاء للمجموعة كنوع من السيطرة الاقتصادية فتراه يحتكر هذه المهمة كي يضمن مكانته ضمن المجموعة كما أن مهمته الثانية هي الدفاع عن القطيع ( الحوض الجيني ) وذالك بالسيطرة على الإناث مما يعني أن الذكر سيعتبر أي ذكر آخر تهديدا له فيقوم بالدفاع عن إناثه بإخفائهن في جلابيب سوداء لا يرى منها شيئ ويحبسها ضمن منطقته الخاصة التي يعلن عنها
-لا بالصياح والرائحة - بل بإعلان الملكية وفي المجتمع الذي نتكلم عنه يظهر هذا بتغيير اسم المرأة من (فلانة) إلى (زوجة فلان) أي ملكيته الخاصة وأخيرا محاولة ضمان بقاء الأنثى بين جدران البيت فيلجأ المجتمع الذكوري إلى العمل على تحقير حرية المرأة وتكريه المجتمع بالمرأة التي لا يمتلكها أحد أكانت مطلقة أم أرملة أم حرة ..
وأذيتها إن هي أكثرت التنقل والخروج والتبجح بهذه الحرية ..

صراحة لا أجمل من النظر للإنسان المتعصب دينيا ً في مجتمعه ككائن حي ندرسه لقربه من الانقراض ..!
أعتقد أنني شرحت نظريتي حول الفرق بين معنيي هذه الكلمة بما يكفي .
فلا يخدعنكم إنسان محاولا استخدام هذه الكلمة للدلالة عن المعنيين مع بعضهما وكأنهما شيئ واحد
فالإرتقائين مختلفين كاختلاف الليل والنهار ..


سلام







ليست هناك تعليقات: